"اربطوا عوض"- أمتنا بين أخطاء الداخل ومخاطر الخارج
المؤلف: يوسف بن طراد السعدون08.27.2025

في قديم الزمان، يحكى أن شيخاً معمراً كان يتشارك وجبة العشاء مع أبنائه في ساحة منزله الوارفة، وإذا بتيس هائج ينطلق مسرعاً من حظيرة قريبة، فطلب الشيخ من أبنائه أن يبادروا إلى تقييد ذلك التيس الجامح. وكان من بين الأبناء شاب يدعى عوض، اتصف بالرعونة والهلع الشديد، فنهض مرتبكاً من مكانه، بدا عليه الخوف أو الرغبة في إنجاز المهمة. وأثناء حركته المتخبطة، اصطدم بالمصباح الوحيد الذي يضيء الساحة، فسقط وانطفأ، وغرق المكان في الظلام الدامس، ثم تعثرت قدماه، فوضع قدمه الأولى في منتصف وعاء العشاء، وأتبعها بالقدم الثانية التي استقرت على بطن والده، فتسبب له في ألم مبرح. عندها علا صراخ الشيخ، وهو يوجه كلامه الحاد إلى بقية أبنائه، قائلاً بصوت عالٍ: «أمسكوا عوضاً واتركوا التيس وشأنه».
القصة التي تنطوي عليها هذه الحكاية تجسد واقع أمتنا العربية، وتقدم لنا إرشاداً قيماً لما يجب أن نفعله للتخفيف من وطأة المعاناة الناجمة عن الأزمات المتلاحقة التي تعصف بنا في شتى مجالات الحياة. فهي تؤكد أن أصل المصائب يكمن في المخاطر والعيوب الكامنة في ذواتنا وقدراتنا، وأنه من الضروري أن نتجنب هذه المخاطر والعيوب أولاً قبل الانخراط في مواجهة أي محنة تعترض طريقنا.
عندما نتأمل الوضع السياسي والأمني الراهن، نجد أن العالم قد عاد إلى حقبة تسودها الصراعات والنزاعات، وتفرض فيها الاتفاقات بالقوة الغاشمة. وكما جاء في مقال بعنوان «القوة تلغي الحق» المنشور في مجلة (فورين افيرز) بتاريخ 13 يوليو 2025، فإن «تهديدات ترمب بالاستيلاء على أراضٍ مثل غزة وغرينلاند تعكس تحولاً خطيراً نحو إحياء شرعية الغزو وتقويض حظر استخدام القوة، وهو ما يهدد بانهيار النظام الدولي الذي أرسته معاهدة كيلوغ-بريان وميثاق الأمم المتحدة». وقد استغل الصهاينة وأعداء العروبة والإسلام هذه الأوضاع، فشنوا حملة شرسة لإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، تمهيداً لترسيخ ما يسمونه إسرائيل الكبرى. فأشعلوا نار الفتن الطائفية، ثم أثاروا الحروب والنزاعات في غزة وفلسطين، وسوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان.
لم يكن لهؤلاء الأعداء أن يحققوا أهدافهم لولا الدعم والتأييد السخي الذي قدمه لهم العديد من أمثال «عوض الأحمق»، المتواجدين بيننا كأفراد وقيادات في حماس وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا والسودان. وهناك آخرون ينتشرون في كيانات عربية أخرى محددة، وقد تحولوا إلى أدوات طيعة في يد الأعداء، من خلال تدخلاتهم الوقحة بالمال والسلاح لإذكاء نيران الأزمات في العالم العربي، ومساعدة الأعداء على زرع الفتنة والبغضاء بين أبناء هذه الأمة العريقة. ولا يتوانون عن شن حملات وبرامج إعلامية مبتذلة، وحياكة دسائس سياسية وأمنية خبيثة تستهدف قيم الإسلام والعروبة، وبعض الدول العربية الشريفة التي تتخذ مواقف مشرفة تجاه قضايا أمتها، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
ما يشهده العالم العربي، الذي يضم 22 دولة عضواً في جامعة الدول العربية، يشبه إلى حد كبير ما عاشته الأندلس قبل ألف عام. فملوك الطوائف قاموا في الفترة بين عامي 1020 و 1030 بإنشاء ما يقارب 22 إمارة متناحرة. وكانت أوضاعهم، كما هو حالنا اليوم، تتسم بالاضطراب والتناحر وحياكة الدسائس والمؤامرات فيما بينهم، والاستعانة بالأعداء على بعضهم البعض. لذلك، لم يكن غريباً أن ينتهي بهم المطاف كفريسة سائغة في يد ألفونسو السادس، الذي امتهن كرامتهم وقتل الكثير منهم واستولى على أراضيهم ونهب ثرواتهم.
وقد وصف ابن حزم الأندلسي، في رسائله التي تحدث فيها عن ملوك الطوائف، الوضع آنذاك، قائلاً: «والله لو علموا أن في عبادة الصلبان خلاصاً لأمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستعينون بالنصارى فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم، ورجالهم يحملونهم أسرى إلى بلادهم، وربما أعطوهم المدن والحصون طوعاً فأخلوها من الإسلام، وعمروها بالنواقيس». وقد أوضح المغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، في خطابه الذي ألقاه أمام الحجاج عام 1930م، الوضع الراهن بقوله: «الحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها هي أننا نحن المسلمين لا نحب بعضنا بعضاً، بل نكيد لبعضنا حتى عند الأعداء ولا نجد في ذلك غضاضة في أنفسنا. إنك لا تجد رابطة بين المسلمين تشد أزرهم، ولا ألفة تدفع عنهم العاديات، فالملك عدو الملك، والتاجر عدو التاجر، وهلم جرا»، وفقاً لما ورد في كتاب «السعوديون والحل الإسلامي» لمحمد جلال كوشك.
فهل يتعظ العرب من التاريخ، وهم يرون حالهم يتردى كحال حقبة ملوك الطوائف، وصورة ألفونسو السادس تتجسد اليوم في دولة إسرائيل، وفي شخصية المجرم الصهيوني نتنياهو وأعوانه؟ فإذا ما كانوا ينشدون السلام والاستقرار، فعليهم أن يستأصلوا أولاً بؤر الضعف والوهن المتغلغلة في جسدهم، وأن يعملوا يداً واحدة من خلال منظماتهم الإقليمية، كمجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، على كشف وفضح وتقييد حركة أشباه «عوض» المتواجدين في الجسد العربي والإسلامي. وعندئذ، سيصبح بمقدورهم مواجهة «الوحوش الجامحة» التي تهاجمهم، وستكون السيطرة عليها أمراً يسيراً.
وإذا ما تطلعوا إلى تحسين أوضاعهم المعيشية، فعليهم أن يبادروا أيضاً إلى التخلص من أشباه «عوض الأهوج» المتربعين على سدة القيادة في المؤسسات الاقتصادية والمالية والثقافية والاجتماعية والإعلامية، من قيادات إدارية ومستشارين وعاملين. فقد ابتلي العالم العربي والإسلامي بالكثير ممن ارتقوا إلى مناصب عليا ومواقع ريادية في غفلة من الزمن، مما مكنهم من تخطيط وتنفيذ مسارات مستقبل أوطانهم، وهم يفتقرون إلى المهارة والكفاءة اللازمة لإدراك أبعاد ما يقومون به أو نتائج ذلك على الشعوب والأوطان. فأصبحوا يتخبطون بتهور ورعونة دون بصيرة أو هدى، وهم يظنون أنهم مصلحون ومطورون، بينما هم يعيثون في الأرض فساداً.
وهذا ما أدى إلى الأزمات والتردي الاقتصادي والمالي والثقافي والاجتماعي والإعلامي الذي تعاني منه العديد من الدول العربية والإسلامية. وهؤلاء تنطبق عليهم الآية الكريمة ﴿الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا﴾ [الكهف: 104].
والحقيقة الجلية التي يجب أن يدركها جميع العرب، أن الضياع والشقاء يتجسدان بوضوح عندما تنقلب القيم والمفاهيم والمبادئ السامية. فعندها، سوف تبدو الحقائق زائفة، والأكاذيب وكأنها حقائق دامغة. ومع بالغ الأسف، هذا هو واقع عالمنا العربي في هذه الحقبة الراهنة.
خاتمة:
من روائع الشاعر فيصل الرياحي البقمي رحمه الله:
بعض العرب وأحوالهم مستوره
من فوقنا الضرس وتحتنا النابي
عشرين دوله وأكثر أكثر منها
صرنا حطب للنار والحطابي
فيها المنافق يلعن المتمرد
وفيها الحرامي يشمت النصابي
وفيها المداهن ينتخي بالخاين
وفيها الغبي يضحك على المتغابي
وأبوابهم وديارهم مفتوحه
للقرد والخنزير والسنجابي
القصة التي تنطوي عليها هذه الحكاية تجسد واقع أمتنا العربية، وتقدم لنا إرشاداً قيماً لما يجب أن نفعله للتخفيف من وطأة المعاناة الناجمة عن الأزمات المتلاحقة التي تعصف بنا في شتى مجالات الحياة. فهي تؤكد أن أصل المصائب يكمن في المخاطر والعيوب الكامنة في ذواتنا وقدراتنا، وأنه من الضروري أن نتجنب هذه المخاطر والعيوب أولاً قبل الانخراط في مواجهة أي محنة تعترض طريقنا.
عندما نتأمل الوضع السياسي والأمني الراهن، نجد أن العالم قد عاد إلى حقبة تسودها الصراعات والنزاعات، وتفرض فيها الاتفاقات بالقوة الغاشمة. وكما جاء في مقال بعنوان «القوة تلغي الحق» المنشور في مجلة (فورين افيرز) بتاريخ 13 يوليو 2025، فإن «تهديدات ترمب بالاستيلاء على أراضٍ مثل غزة وغرينلاند تعكس تحولاً خطيراً نحو إحياء شرعية الغزو وتقويض حظر استخدام القوة، وهو ما يهدد بانهيار النظام الدولي الذي أرسته معاهدة كيلوغ-بريان وميثاق الأمم المتحدة». وقد استغل الصهاينة وأعداء العروبة والإسلام هذه الأوضاع، فشنوا حملة شرسة لإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، تمهيداً لترسيخ ما يسمونه إسرائيل الكبرى. فأشعلوا نار الفتن الطائفية، ثم أثاروا الحروب والنزاعات في غزة وفلسطين، وسوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان.
لم يكن لهؤلاء الأعداء أن يحققوا أهدافهم لولا الدعم والتأييد السخي الذي قدمه لهم العديد من أمثال «عوض الأحمق»، المتواجدين بيننا كأفراد وقيادات في حماس وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا والسودان. وهناك آخرون ينتشرون في كيانات عربية أخرى محددة، وقد تحولوا إلى أدوات طيعة في يد الأعداء، من خلال تدخلاتهم الوقحة بالمال والسلاح لإذكاء نيران الأزمات في العالم العربي، ومساعدة الأعداء على زرع الفتنة والبغضاء بين أبناء هذه الأمة العريقة. ولا يتوانون عن شن حملات وبرامج إعلامية مبتذلة، وحياكة دسائس سياسية وأمنية خبيثة تستهدف قيم الإسلام والعروبة، وبعض الدول العربية الشريفة التي تتخذ مواقف مشرفة تجاه قضايا أمتها، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
ما يشهده العالم العربي، الذي يضم 22 دولة عضواً في جامعة الدول العربية، يشبه إلى حد كبير ما عاشته الأندلس قبل ألف عام. فملوك الطوائف قاموا في الفترة بين عامي 1020 و 1030 بإنشاء ما يقارب 22 إمارة متناحرة. وكانت أوضاعهم، كما هو حالنا اليوم، تتسم بالاضطراب والتناحر وحياكة الدسائس والمؤامرات فيما بينهم، والاستعانة بالأعداء على بعضهم البعض. لذلك، لم يكن غريباً أن ينتهي بهم المطاف كفريسة سائغة في يد ألفونسو السادس، الذي امتهن كرامتهم وقتل الكثير منهم واستولى على أراضيهم ونهب ثرواتهم.
وقد وصف ابن حزم الأندلسي، في رسائله التي تحدث فيها عن ملوك الطوائف، الوضع آنذاك، قائلاً: «والله لو علموا أن في عبادة الصلبان خلاصاً لأمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستعينون بالنصارى فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم، ورجالهم يحملونهم أسرى إلى بلادهم، وربما أعطوهم المدن والحصون طوعاً فأخلوها من الإسلام، وعمروها بالنواقيس». وقد أوضح المغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، في خطابه الذي ألقاه أمام الحجاج عام 1930م، الوضع الراهن بقوله: «الحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها هي أننا نحن المسلمين لا نحب بعضنا بعضاً، بل نكيد لبعضنا حتى عند الأعداء ولا نجد في ذلك غضاضة في أنفسنا. إنك لا تجد رابطة بين المسلمين تشد أزرهم، ولا ألفة تدفع عنهم العاديات، فالملك عدو الملك، والتاجر عدو التاجر، وهلم جرا»، وفقاً لما ورد في كتاب «السعوديون والحل الإسلامي» لمحمد جلال كوشك.
فهل يتعظ العرب من التاريخ، وهم يرون حالهم يتردى كحال حقبة ملوك الطوائف، وصورة ألفونسو السادس تتجسد اليوم في دولة إسرائيل، وفي شخصية المجرم الصهيوني نتنياهو وأعوانه؟ فإذا ما كانوا ينشدون السلام والاستقرار، فعليهم أن يستأصلوا أولاً بؤر الضعف والوهن المتغلغلة في جسدهم، وأن يعملوا يداً واحدة من خلال منظماتهم الإقليمية، كمجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، على كشف وفضح وتقييد حركة أشباه «عوض» المتواجدين في الجسد العربي والإسلامي. وعندئذ، سيصبح بمقدورهم مواجهة «الوحوش الجامحة» التي تهاجمهم، وستكون السيطرة عليها أمراً يسيراً.
وإذا ما تطلعوا إلى تحسين أوضاعهم المعيشية، فعليهم أن يبادروا أيضاً إلى التخلص من أشباه «عوض الأهوج» المتربعين على سدة القيادة في المؤسسات الاقتصادية والمالية والثقافية والاجتماعية والإعلامية، من قيادات إدارية ومستشارين وعاملين. فقد ابتلي العالم العربي والإسلامي بالكثير ممن ارتقوا إلى مناصب عليا ومواقع ريادية في غفلة من الزمن، مما مكنهم من تخطيط وتنفيذ مسارات مستقبل أوطانهم، وهم يفتقرون إلى المهارة والكفاءة اللازمة لإدراك أبعاد ما يقومون به أو نتائج ذلك على الشعوب والأوطان. فأصبحوا يتخبطون بتهور ورعونة دون بصيرة أو هدى، وهم يظنون أنهم مصلحون ومطورون، بينما هم يعيثون في الأرض فساداً.
وهذا ما أدى إلى الأزمات والتردي الاقتصادي والمالي والثقافي والاجتماعي والإعلامي الذي تعاني منه العديد من الدول العربية والإسلامية. وهؤلاء تنطبق عليهم الآية الكريمة ﴿الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا﴾ [الكهف: 104].
والحقيقة الجلية التي يجب أن يدركها جميع العرب، أن الضياع والشقاء يتجسدان بوضوح عندما تنقلب القيم والمفاهيم والمبادئ السامية. فعندها، سوف تبدو الحقائق زائفة، والأكاذيب وكأنها حقائق دامغة. ومع بالغ الأسف، هذا هو واقع عالمنا العربي في هذه الحقبة الراهنة.
خاتمة:
من روائع الشاعر فيصل الرياحي البقمي رحمه الله:
بعض العرب وأحوالهم مستوره
من فوقنا الضرس وتحتنا النابي
عشرين دوله وأكثر أكثر منها
صرنا حطب للنار والحطابي
فيها المنافق يلعن المتمرد
وفيها الحرامي يشمت النصابي
وفيها المداهن ينتخي بالخاين
وفيها الغبي يضحك على المتغابي
وأبوابهم وديارهم مفتوحه
للقرد والخنزير والسنجابي